أحكام الزكاة، كيفية إخراجها و فيمن تجب

من النعم الكثيرة التي منَّ الله بها على الناس، نعمة المال. بفضلها تُيَسَّر الأسباب، وتُفتح الأبواب، وتقضى الكثير من حوائج الدنيا ومتاعها. فمِن الناس من يملك المال نقدا، ومنهم من يملك الأراضي، ومنهم من يملك العقارات، ومنهم من يسر الله له في كل ذلك. ومن الحكمة وحسن الذوق أن يشكر المسلم واهب هذه النعم ويحمده سبحانه وتعالى، ولعل أفضل طريقة لفعل ذلك هي أداء الزكاة وإنفاقها على الفقراء والمحتاجين تطهيرا للنفس من الشح والبخل، وتعويدا لها على الجود والكرم كي تعم البركة بين المسلمين و يسود التضامن والإخاء بين المؤمنين. ونقدم لكم فيما يلي أحكام الزكاة ومقاصدها الكثيرة والمتعددة.

تعريف الزكاة

الزكاة لغة الطهارة والبركة والصلاح. وسميت زكاة لأنها تزكي إيمان العبد وماله فلا ينقصان بل يزيدان، ولأنها تُنقي قلب مُخرِجها من حب الدنيا ومتاعها، وتطهر قلب مُستحِقها من البغض والحسد. ‏والزكاة شرعا مقدار من المال فرضه الله على المسلمين لفائدة الفقراء والمحتاجين. وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم باسم (صدقة) لقوله تعالى‏:‏ {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}‏ ‏[‏التوبة:‏103‏‏].‏ وقد سميت صدقة لأنها علامة على صحة إيمان مؤديها وصِدْقه وإخلاصه. ‏

حُكم الزكاة

الزكاة فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهي الركن الثالث في الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، لا يستقيم الدين بدونها ولا يكتمل الإيمان بجحودها. فُرضت على المسلمين في السنة الثانية للهجرة‏، ودليل وجوبها موجود في الكتاب والسنة والإجماع.‏ فقد ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم فقال‏:‏ {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}.‏ ‏[المزمل:20]‏. كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة...)الحديث. ونقل الإجماع على ذلك ومنهم ابن رشد، وابن حزم، والنوويُّ وغيرهم.

أنواع الزكاة

قسَّم أهل العلم الزكاة الواجبة على كل مسلم ومسلمة إلى ثلاثة أنواع رئيسية؛ أَوَّلُهَا الزكاة الواجبة في الأموال، وتجب في سبعة أموال هي الذهب والفضة، والأوراق المالية، وعروض التجارة، وبهيمة الأنعام والإبل والبقر والغنم، والخارج من الأرض من حبوب وثمار، والركاز، والمعادن. وثَانِيهَا الزكاة الواجبة في الذمة، وهي زكاة الفطر التي تجب على كل مسلم في نهاية شهر رمضان قبيل صلاة عيد الفطر. وثَالِثُهَا صدقة التطوع، وهي ما يخرجه المسلم إحساناً إلى غيره وطلباً للأجر والثواب.

فضل الزكاة

من أفضال الزكاة وفوائدها أنها ركن من أركان الإسلام، وهذه في حد ذاتها نعمة ما بعدها نعمة وفضل لا مثيل له. ومن أفضالها كذلك‏ تطهير النفس من دَرَنِ الشُّح والبخل، وإشاعة روح التضامن والتكافل بين المسلمين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وإمكاناتهم الاقتصادية. ومن أداها إيمانا واحتسابا فاز بعفو الله ونال رحمته الواسعة مصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة}. وهي أيضا وسيلة لمضاعفة الرزق ووفرة الخير وحصول البركة. كما تعتبر الزكاة صفة من صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس لقوله تعالى في سورة المؤمنون: ‏{‏والذين هم للزكاة فاعلون‏}.

شروط وجوب الزكاة

لكي تجب الزكاة على المسلم يجب أن تتحقق فيه عدة شروط أولها الإسلام لأن الكافر مردودة أعماله وأمواله حتى يُسلم. وثانيها الحرية لأن العبد مملوك لا مِلْك له. وثالثها المِلْك التام أي القدرة على التصرف في الأملاك الخاصة دون استحقاق للغير وبعد تخليص الذمة من كل الديون والالتزامات. ورابعها النماء أي زيادة المال وتضاعفه بالتجارة والكسب الحلال. وخامسها بلوغ النصاب أي امتلاك القدر المالي الذي تجب فيه الزكاة شرعا بحدوث فائض في الحاجات الأساسية، فلا زكاة عن بيوت السكن والملابس وغيرها. وسادسها مرور الحول وهو بلوغ المال للنصاب الشرعي في الزكاة بانقضاء سنة هجرية كاملة.

نصاب الزكاة

اتفق أهل العلم على أن النصاب هو المقدار الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة، ويختلف ذلك باختلاف أنواع المال. ففي المواشي مثلا، يقدر نصاب الغنم بأربعين شاة، ونصاب البقر بثلاثين، ونصاب الإبل بخمس. أما الحبوب والثمار فيقدر نصابها بستين صاعاً وهو ما يعادل حوالي 652 كيلوغراما بالمقاييس العصرية، والواجب فيها العشر إن كانت تسقى بالمطر دون أية تكاليف، ونصف العشر إذا كانت تسقى بالطرق الاصطناعية المكلفة. ونصاب الذهب خمسة وثمانون غراماً، ونصاب الفضة حوالي 595 غراماً، ونصاب الأوراق المالية ما يعادل أحد هذين النصابين، والواجب في هذه الأصناف ربع العشر.

مصارفها

يقصد بمصارف الزكاة الفئات الاجتماعية المستحِقة لها، وهي ثمانية أصناف ذكرها الله تعالى في سورة التوبة فقال: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}. فالفقراء هم المحتاجون الذين لا يجدون كفايتهم. والمساكين هم الذين يتعففون عن السؤال رغم الحاجة. والعاملون على الزكاة هم جامعوا الزكاة ولو كانوا من الأغنياء. والمؤلفة قلوبهم هم حديثو العهد بالإسلام. وفي الرقاب أي العبيد تعتق رقابهم بمال الزكاة. والغارمون هم الغارقون في الديون. وفى سبيل الله يقصد بها المجاهدون، وابن السبيل هو المسافر المنقطع عن بلده. ولا تعطى الزكاة للوالدين والأبناء والأزواج وغير المسلمين. ‏



تبرع الآن